تقع الكثيرات من الصحفيات والصحفيين في فخ عدم المعرفة بآليات التعامل مع النساء الناجيات من العنف مثل المعنفات في السجون أو الناجيات من داعش أو ضحايا الاغتصاب، عند إجراء المقابلة الصحفية خاصة عندما يكون الهدف هو البحث عن السبق الصحفي أو طمعا بالشهرة من دون مراعاة الأضرار التي يمكن أن تلحق بالناجية خلال المقابلة أو بعدها، ولذلك فإنّ هذا النوع من العمل يحتاج إلى الحذر الشديد خاصة عند إعداد وصياغة الأسئلة ونوع الأسلوب المتبع خلال المقابلة وحتى لغة الجسد، ولهذا فهذا النوع من المقابلات ليس سهلا على الإطلاق ويحتاج إلى التمرس والحذر.
وفيما يلي إيجاز أبرز المبادئ التي يجب مراعاتها خلال العمل وهي ملخص لتجربتي الشخصية في هذا المجال بعدما تلقيت تدريبا متقدما من منظمة انترنيوز في العراق ضمن مشروع أصوات المرأة.
ولكن قبل التعرف على تلك المبادئ يجب مراعاة ما يلي:
- اختيار مكان آمن للمقابلة واتخاذ جميع الاحتياطات الأمنية لتوفير الحماية للناجية وللفريق الصحفي.
- يجب أن تكون البيئة المعدة لإجراء المقابلة تبعث على الاطمئنان والارتياح النفسي من ناحية النظافة والبساطة والترتيب والألوان.
- وضع خطة أمان طارئة وتهيئة مكان بديل يسهل الوصول إليه في حالة وجود ظرف طارئ.
- توفير وسيلة نقل آمنة لنقل للناجية وضمان سلامتها وحضورها وتجنب إحراجها.
- يجب أن يكون فريق العمل متمكن من عمله وأدواته وان لا يزيد عدد أفراده عن الحاجة الفعلية مع مراعاة أن يكون فريقا نسويا قدر الإمكان لإتاحة مساحة تعبير مريحة وكافية بالنسبة للناجية.
- وضع خطة اتصال آمنة ودراسة خطة تنفيذ المهمة كما يجب إبلاغ الإدارة العليا للوسيلة الإعلامية بالمخاطر المحتملة التي يمكن أن تواجه الفريق ببساطة “كوني متيقظة وحذرة”.
- يجب أن تكون جلسة المقابلة بشكل متكافئ بين الصحفية والناجية والابتعاد عن جلسة الاستعلاء والتكبر حتى لو اضطر الصحفي إلى الجلوس على الأرض بجانب الناجية.
- يجب عدم تشتيت الناجية بالتقاط الصور أو حركة المصورين العشوائية أو تقريب الكاميرا من وجهها.
- من المهم جدا أن تسأل الصحفية الناجية إن كانت ترغب بإظهار صورتها أو صوتها في الإعلام وإيضاح خطورة ذلك على حياتها أن كان يعرضها للخطر فقط تكون غير مدركة لخطورة ظهورها.
- يجب على الصحفية عدم كتابة ما تقوله الناجية خلال المقابلة أو إظهار القلم والكراس لأنه سيربكها ولن تشعر بالارتياح.
- على الصحفية خلال المقابلة ألا تظهر هويتها الدينية أو القومية خاصة إذا كانت الناجية قد تعرضت للاعتداء بسبب ذلك.
- يجب على الصحفية عدم إثارة الأسئلة البعيدة عن موضوع المقابلة والتي تتعلق بقومية أو ديانة الناجية أو التلميح بذلك.
11- يجب أن تكون الأسئلة موجهه من قبل الصحفية التي تقوم بالمقابلة ولا يجوز لفريق العمل التدخل مطلقًا.
ومن ابرز وأهم المبادئ الموجهة لفريق العمل وخاصة الصحفية او الصحفي الذي يقوم بالمقابلة:
أولاً: الاحترام
ويقصد به تقدير وتقييم الشخص وتجاربه وأفكاره وقراراته وأفعاله وكل ما يتعلق بذلك أي يجب احترام أمنيات وحقوق وكرامة الناجية ويمكن تحقيق ذلك من خلال الاستماع لها بشكل جيد وعدم إصدار الأحكام الاستباقية، فيما يتعلّق بالناجية وسلوكها كما يجب التحلي بالصبر خاصة إذا كانت الناجية تمتلك معلومات مهمة وخطيرة ومؤلمة فلا يمكن طلب المزيد من المعلومات إذا كانت غير مستعدة للحديث عنها وهنا لابد من إمهالها وقت إضافي وعدم إجبارها في حال رفضت إكمال حديثها، وفي حال كانت المقابلة مع ناجية من عنف جنسي يفضل عدم مناقشة التاريخ الجنسي السابق لها أو إجبارها على شرح عملية الاعتداء الجنسي بشكل مفصل، كما يدخل ضمن باب الاحترام عدم الضحك والاستهزاء بالناجية وبثقافتها أو عائلتها أو وضعها أو أي شيء يتعلق بها.
ثانيًا: السرية
وتعتبر السرية من أهم المبادئ التوجيهية وحق من حقوق الناجية ولذلك يجب الاحتفاظ الآمن بجميع المعلومات المتعلقة بالناجية مثل الاسم وتاريخ الولادة والعمر والعنوان ومعلومات العائلة واسم المعتدي ومكان وقوع الحادث وأي معلومات أخرى قد تعرف عن الناجية وعائلتها والمعتدي وعائلته، فيمكن للصحفي معرفة القصة أو الحادثة ولكن من غير الضروري أن يعرف تفاصيل أخرى ليست مهمة بالنسبة للمقابلة ولكنها مهمة أو مؤلمة بالنسبة للناجية ولا ترغب بالإفصاح عنها فلا بدّ من احترام خصوصيّتها وعائلتها على الدوام وعدم ذكر هوية الناجية إذا لم تكن ترغب وكذلك الحال بالنسبة لإظهار وجهها بالصور أو الفيديو ويشمل الأمر صوتها أيضا، خاصة إذا كانت مهددة بالقتل أو قد تتعرض له في ظروف عدم توفر الحماية الكافية أو قد تتعرض للأذى النفسي بسبب وصمة العار التي ستلاحقها في حال إعلان هويتها، لذلك يمكن استخدام هوية مستعارة لتجنب الناجية الكثير من المخاطر والأزمات النفسية والإحراج، كما أن إخفاء هوية الناجية يشجع الناجيات الأخريات على الإفصاح عن قصصهن، ومن هنا ظهرت أهمية الحفاظ على سرية المعلومات في جميع الأوقات باستثناء الموقف الذي يضع الناجية في خطر سواء على صحتها أو أمنها وسلامتها.
ثالثًا:عدم التمييز والتحيّز
وهو مبدأ مهم فيجب معاملة جميع الناجيات بطريقة كريمة مستقلة عن أجناسهم (البيولوجية) أو خلفياتهم الاجتماعية أو أعراقهم أو قومياتهم أو ظروف الحوادث التي تعرضوا لها، فيجب أن تكون معاملة الناجيات عادلة بدون افتراضات وأحكام أو وآراء مسبقة عن العنف الجنسي حتى لا تؤثر في طريقة تعاملك مع الناجية، ويجب تجنب التحيّز للطرف الآخر الذي تتحدث عنه الناجية بسبب قرابة او صداقة.
رابعاً:التعاطف والتحفيز
غالبا ما تكون المقابلات من هذا النوع مليئة بالإحداث المؤلمة والحزينة فتحتاج الناجية إلى المواساة لتشعر أن المقابل يتفهم ويقدر ما مرت به من أحداث صعبة لذلك يجب أن ينصهر الصحفي خلال المقابلة بتفاصيل الأحداث وإظهار ملامح التعاطف وعدم مقاطعة الناجية أو ملاحقة معلومة محرجة بالنسبة لها كما يجب أن يعقب في الوقت المناسب بكلمات تحفيزية مشجعة تبعث على الأمل والتحدي وبداية حياة جديدة حتى لا تعيش الناجية أجواء الحزن وتنتكس من جديد كما يساعدها على إكمال المقابلة بمرونة وثقة.
خامساً:الوعود ودفع المال
قد يقوم بعض الصحفيين وبهدف الحصول على معلومات واسعة أو محرجة بإعطاء الوعود للناجيات مثل المساعدة بالهجرة أو الحصول على الوظيفة أو أي شيء آخر، وقد يقوم بعضهم بدفع المال أو الوعد به كمقابل للمعلومة، وللأسف فإنّ هذه الممارسة تنعكس سلبا على الناجية التي تبقى على أمل زائف سرعان ما يتلاشى مما يولد داخلها شعور بالضعف على أنها ضحية الجميع، كما تؤثر الوعود الزائفة أيضا على سمعة الصحفيين بشكل عام كونه يتعارض مع مبادئ وأخلاقيات العمل الصحفي، وكذلك الحال بالنسبة لمن يدفع المال من اجل الحصول على المعلومات فقد يظلل الكثير من الحقائق ويورد معلومات كاذبة قيلت من اجل كسب المال فقط فهو سلوك مرفوض وغير مهني لأنه يشجع على الكذب وعدم الوصول إلى الحقيقة مما يؤثر بشكل كبير على إيصال صوت الناجيات ووصولهن إلى منافذ الدعم والاستقرار.
نصائح مهمة للصحفيين العاملين في هذا المجال:
- لتكن سلوكياتك وتصرفاتك تنبع دائِماً مِما ترغبه الناجية وليس ما تظنه أنت أنه مناسِب.
- تمتلك الناجية حقوق يجب أن تحترم خلال المقابلة.
- لا تجازفي او تجازف بإنسانيتك أو حياتك من اجل سبق صحفي.
- لا يمكن أن تكون خصوصية الآخرين فضيحة للنشر ولا وسيلة للشهرة.
- المال وسيلة للعيش الكريم وليس لإذلال الآخرين واستغلالهم.
المصدر: شبكة الصحفيين الدوليين