ليلة سفري الى مدينة حلبجة اتصلت معي زميلتي هناك وقالت “والدتي ستطبخ الدولمة للغداء ترحيبا بك، واردت ان اسألك هل تأكين طعام الكاكائيين ام نذهب الى مطعم خارج المنزل”؟
لا انكر ان السؤال كان صدمة كبيرة لي إذ لم تسألني اي من زميلاتي او صديقاتي من الاديان الأخرى هذا السؤال يوما لكنني استجمعت افكاري واجبتها “نعم لا فرق عندي بين طعام دين او طائفة عن الاخرى”. في تلك الليلة استرجعت سؤال رنكين زميلتي الكاكائية في ذهني مرات عدة وقررت ان اكتب هذا المقال.
فالشعور بأن المجتمع الذي تعيش فيه قد لا يتقبلك شيئ مؤلم بالنسبة لي ولا ادري ما سيكون عليه موقفي لو كنت مكانها، وفي اليوم التالي وصلت الى حلبجة وبعدما تناولنا الدولمة وشربنا الشاي بعد الغداء مثلما تفعل جميع العائلات العراقية باختلاف اديانها ومذاهبها-فالشاي بعد الطعام تقليد يسري على الجميع- خرجنا لرؤية المدينة الصغيرة وقراها.
بعد ساعة من التجوال استقر بنا الحال عند مقهى صغير يتسم بالبساطة والجمال قالت رنكين ان صاحبة الفكرة لانشائه فتاة كردية استعانت بشقيقيها لافتتاح المكان الذي بات معروفا لدى الشباب في حلبجة، وهناك سألتها عن سبب طرحها السؤال حول طعامهم في الليلة الماضية فقالت “معظم صديقاتي في العمل لا يأكلون طعامي، نحن نتعانق ونسلم على بعضنا لكن حينما يصل الامر الى الطعام لا احد يقبل ان يتناول من طعامنا نحن الكاكائيين”.
عملت رنكين لتسع سنوات في مجال التعليم الى جانب عملها المسائي في الراديو وكانت صديقاتها وزميلاتها في العمل يرفضن اكل الطعام الذي تجلبه، كما يرفضن دعواتها المتكررة لضيافتها في المنزل وتناول الطعام مع عائلتها لذلك حاولت ان تتجنب الاحراج معي فسألت ان كان لدي اي مانع في تناول طعامهم لا سيما وانني من دين مختلف.
مااخبرتني به رنكين استوقفني ودفعني للحديث مع زميلات اخريات لاستطلاع الامر.
نافين سموقي الصحفية الايزيدية التي تعمل في راديو السلام الذي يمثل صوت النازحين في اربيل تتعرض للمواقف ذاتها من زميلاتها وزملائها الصحفيين وتقول “ترفض زميلاتي الصحفيات وزملائي الصحفيين تناول الطعام معي، ودائما ما يبحثون عن حجج للتهرب من الاكل معي رغم انهم يأكلون مع بعضهم البعض، اشعر احيانا انهم لا يختلفون كثيرا عن داعش وافكارها”.
وتضيف “اصبحت اسأل قبل اخذ الطعام معي واقول انني سأجلب غدا الدولمة او البرياني فهل ستأكلون معي؟ اذ اعتدت على الرفض منذ صغري فالكثيرون من الاصدقاء والمعارف حينما يأتون الى عزاء الايزيديين ينهضون قبل تقديم الطعام لهم متحججين بضيق الوقت لكننا نفهم الامر”.
الشابة الايزيدية التي كافحت كثيرا لتخرج من مجتمع محافظ وتعمل في مهنة الصحافة التي يرفضها معظم الايزيديين كمهنة لبناتهم تتعرض للاحراج كثيرا في الورش التي تقيمها المنظمات الدولية والمحلية للصحفيات لرفض زميلاتها المسلمات مشاركتها الغرفة.
وتقول “اشعر برفضهم لي وابكي احيانا لوحدي، فالكثيرات منهن يطلبن السكن مع اخريات او يطلبن غرفة مستقلة حينما يجدن اسمائهن معي في الغرفة، وهذا الامر دفعني الى عدم المشاركة في الورش التي تتشارك فيها الصحفيات الغرف إذ غالبا اسأل المنظمين اثناء التقديم ان كانت الغرف مستقلة ام مشتركة، لانني اتعرض لضغط نفسي كبير حينما يرفضن الاخريات مشاركتي الغرفة بسبب ديني وليس لاي سبب آخر”.
تتمنى نافين ان تتقبلها زميلاتها وصديقاتها من الاديان الاخرى كما هي على اساس انسانيتها ” لا تقرفي من طعامنا، فجميعنا بشر” تقول موجهة رسالتها الى زميلات المهنة.
بينافش علو خلف صحفية ايزيدية اخرى تعمل في موقع خاني نيوز لديها طريقة اخرى للتعامل مع الرفض وتقول “تربيت منذ صغري على ان الاخرين لا يتقبلون طعامنا لذلك لم اخذ الطعام معي ابدا الى الجامعة التي درست فيها ولا آخذه الآن الى العمل”.
وتضيف “انا اتشارك الغرف مع الصحفيات الايزيديات فقط كي لا اتعرض للرفض، لقد تعودت على ذلك وعائلتي تطلب مني البقاء في الغرفة مع ايزيدية مثلي لان تقاليدنا متشابهة ونتقبل بعضنا اكثر.
بينافش رغم اعتيادها على الامر لكنها ترغب في ان يتعامل معها زميلاتها بطريقة مختلفة وتقول “رغم انني اعتدت على مشاركة الايزيديات الطعام والغرف، لكنني سأكون سعيدة لواحضرت طعامنا وتناولناه انا وباقي زميلاتي المسلمات في احدى الورش او اثناء العمل لان هذا الامرسيفرحني كثيرا.
هذا المقال كتب من قبل الصحفية خلود العامري رئيسة تحرير موقع المنصة وهو موقع خاص ببناء السلام والتعايش بين الاديان والمكونات العراقية.